قال الله تعالى في كتابة الكريم في سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٢
(بحث روائي) في التهذيب مسندا عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة " قال:
إذا قمتم من النوم. قال الراوي: - وهو ابن بكير - قلت: ينقض النوم الوضوء فقال:
نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت.
أقول: وهذا المعنى مروى في غيره من الروايات، ورواه السيوطي في الدر المنثور عن زيد بن أسلم والنحاس: وهذا لا ينافي ما قدمنا أن المراد بالقيام إلى الصلاة ارادتها، لان ما ذكرناه هو معنى القيام من حيث تعديه بإلى، وما في الرواية معناه من حيث تعديه بمن.
وفى الكافي بإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: من أين علمت وقلت:
إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ثم قال: يا زرارة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونزل به الكتاب من الله، لان الله عز وجل يقول: " فاغسلوا وجوهكم " فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: " وأيديكم إلى المرافق " فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن تغسلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال: " وامسحوا برؤسكم " فعرفنا حين قال: " برؤسكم " أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: " وأرجلكم إلى الكعبين " فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس فضيعوه ثم قال: " فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " فلما وضع الوضوء إن لم يجدوا ماء أثبت بعض الغسل
مسحا لأنه قال: " بوجوهكم " ثم وصل بها " وأيديكم " ثم قال: " منه " أي من ذلك التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على
(٢٣٢)
الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها، ثم قال الله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " والحرج الضيق.
أقول: قوله: " ثم قال: فإن لم تجدوا ماء " نقل الآية بالمعنى.
وفيه: بإسناده عن زرارة وبكير أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام
عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بطست - أو تور - فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة
فصبها على وجهه فغسل بها وجهه، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرافق
إلى الكف لا يردها إلى المرافق، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق، وصنع بها ما صنع باليمنى،
ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لا يحدث لهما ماء جديدا، ثم قال: ولا يدخل أصابعه تحت الشراك. ثم قال: إن الله عز وجل يقول: "
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم " فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله، وأمر أن يغسل اليدين إلى المرفقين،
فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله لان الله يقول: " اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق "، ثم قال:
" فامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين "
فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه. قال: فقلنا: أين الكعبان؟
قال: هنا يعنى المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق، والكعب أسفل من ذلك،
فقلنا: أصلحك الله والغرفة الواحدة تجزى للوجه وغرفة للذراع؟ قال: نعم إذا بالغت فيها، واثنتان تأتيان على ذلك كله.
أقول: والرواية من المشهورات، ورواها العياشي عن بكير وزرارة عن أبي
جعفر عليه السلام، وعن عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام مثله، وفي معناها ومعنى الرواية السابقة روايات أخر.
في تفسير البرهان العياشي عن زرارة بن أعين،
وأبو حنيفة عن أبي بكر بن حزم قال: توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى فجاء علي عليه السلام فوطأ على
رقبته فقال: ويلك تصلى على غير وضوء؟ فقال: أمرني عمر بن الخطاب قال: فأخذ بيده فانتهى به إليه، فقال: انظر ما يروى هذا
عليك، ورفع صوته، فقال: نعم أنا أمرته إن رسول الله مسح، قال: قبل المائدة أو بعدها؟ قال: لا أدرى، قال: فلم تفتى وأنت
(٢٣٣)
لا تدرى؟ سبق الكتاب الخفين.
أقول: وقد شاع على عهد عمر الخلاف في المسح على الخفين وقول علي عليه السلام بكونه منسوخا بآية المائدة على ما يظهر من الروايات، ولذلك روى عن بعضهم كالبراء وبلال وجرير بن عبد الله أنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسح على الخفين بعد نزول المائدة ولا يخلو من شئ فكأنه ظن أن النسخ إنما ادعى بأمر غير مستند إلى الآية، وليس كذلك فإن الآية انما تثبت المسح على القدمين إلى الكعبين، وليس الخف بقدم البتة، وهذا معنى الرواية التالية.
وفى تفسير العياشي: عن محمد بن أحمد الخراساني - رفع الحديث - قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام رجل فسأله عن المسح على الخفين فأطرق في الأرض مليا ثم رفع رأسه فقال: ان الله تبارك وتعالى أمر عباده بالطهارة، وقسمها على الجوارح فجعل للوجه منه نصيبا، وجعل للرأس منه نصيبا، وجعل للرجلين منه نصيبا، وجعل لليدين منه نصيبا فإن كانتا خفاك من هذه الاجزاء فامسح عليهما.
وفيه أيضا عن الحسن بن زيد عن جعفر بن محمد: إن عليا خالف القوم في المسح على الخفين على عهد عمر بن الخطاب قالوا: رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفين قال: فقال علي عليه السلام: قبل نزول المائدة أو بعدها؟ فقالوا: لا ندري، قال: ولكني أدرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك المسح على الخفين حين نزلت المائدة، ولان أمسح على ظهر حمار أحب إلى من أن أمسح على الخفين، وتلا هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا - إلى قوله - المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين ".
وفى الدر المنثور أخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن علي أنه كان يتوضأ عند كل صلاة ويقرء: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " (الآية).
أقول: وقد تقدم توضيحها.
وفي الكافي بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " أو لامستم النساء " قال: هو الجماع ولكن الله ستير يحب الستر فلم يسم كما تسمون.
وفي تفسير العياشي عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فقال: إن
(٢٣٤)
عمار بن ياسر أتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أجنبت وليس معي ماء، فقال: كيف صنعت يا عمار؟ قال: نزعت ثيابي ثم تمعكت على الصعيد
فقال: هكذا يصنع الحمار إنما قال الله:
" فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه "
ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسحهما ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه، ثم دلك إحدى يديه بالأخرى على ظهر
الكف، بدء باليمين
وفيه: عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: فرض الله الغسل على الوجه والذراعين
والمسح على الرأس والقدمين فلما جاء حال السفر والمرض والضرورة وضع الله الغسل وأثبت الغسل مسحا فقال:
" وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء - إلى قوله - وأيديكم منه ".
وفيه: عن عبد الاعلى مولى
آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة كيف أصنع بالوضوء؟
قال: فقال عليه السلام: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تبارك وتعالى: " ما جعل عليكم في الدين من حرج ".
أقول: إشارة إلى آية سورة الحج النافية للحرج، وفي عدوله عن ذيل آية الوضوء
إلى ما في آخر سورة الحج دلالة على ما قدمناه
من معنى نفى الحرج. وفيما نقلناه من الاخبار نكات جمة تتبين بما قدمناه في بيان الآيات فليتلق بمنزلة الشرح للروايات.
* * * يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء
بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون - 8.
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم -
9- والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم
- 10.
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم من أن يبسطوا إليكم
(٢٣٥)